امن الافراد The security of individuals -امن المعلوماتInformation Security-امن المواد والمنشأت materials and constructions Security

قفشات

3d

تنويه: تقوم ادارة المدرسة باجراء تعديلات وتصويبات على المحاضرات المنشورة بشكل مستمر وحسب الحاجة يرجى الانتباه.

الأحد، 19 يناير 2020

المحاضرة الرابعة- توصيف عملية التجنيد


المحاضرة الرابعة

التجنيد

الدكتور مظهر الشاكر



المحاضرة الرابعة


توصيف عملية التجنيد



        ماذا يعني أن يتم قهر إنسان أو سلبه إرادته لكي يقوم بعمل معين؟ وكيف نفهم أن يتم وبسهولة أقناع شخص لكي يكون عينا بالمجان أو بمقابل مالي؟ وهل يتصور أن يتبرع الإنسان ليؤدي مثل هذا الأعمال من تلقاء نفسه؟ ومن باب أخر كيف نعلل رفض الكثير من الأشخاص التعاون أو العمل مع الأجهزة الأمنية والبعض تم تركه وخياراته والأخر كأنت حياته الثمن، ففي العراق على سبيل المثال كان هناك طيارين عراقيين الأول الطيار( حامد الضاحي) والطيار الأخر هو (منير روفا ) أما حامد الضاحي فقد قتل عام/1965م في مدينة تكساس في أحد الأندية الليلية بظروف غامضة وفيما يخص (منير روفا) طيار الميك(21) فقد إستطاع عام/1966م أن يهرب بطائرة من هذا النوع وإتجه بها الى إسرائيل بعد أن تم تهريب عائلته أيضا، ولكونه مسيحي إدعى بأنه كان يعاني من الإضطهاد وكانت نيته التخلص من الظلم وأن حلمه كان أن يتوجه هو وأهله الى أمريكا لغرض العيش هناك ولكن الذي حصل هو أنه بقى في إسرائيل حتى موته.

      إن وجود الإكراه والتوريط أو وجود القناعة أو الرغبة هي العوامل الأساسية التي يجب أن تؤخذ بنظر الإعتبار عند محاولة إيجاد تعريف أو توصيف لموضوعة التجنيد، ولكون عملية التجنيد قديمة ولها شواهد تاريخية حيث كانت عمليات التجنيد تحصل لحساب جهات معينة تجاه جهات أخرى عندما لم يكن هناك جهازا أمنيا تخصصيا أو كأنت تلك الأعمال بمفهومها العام ذات جنبة أمنية ويمكن تقسيم تلك الأعمال الى: -

1- عمل بتكليف:
    ففي قصة "دليلة مع شمشوم" ودليلة هي إحدى الحسناوات التي كأنت تسكن في فلسطين أما شمشوم فهو بطل يهودي يتمتع  بقدرات خارقة، وكانت عملية التجنيد تحت فكرة أن يعرف الفلسطينيين سر قوة شمشوم حيث تقربت منه دليلة في محاولة لكشف سر قوته بقصد التخلص منه، وكذلك نجد أفكار متقاربة مع قصة "سارة اهرونسون وعلاقتها مع لورانس العرب" في موضوع محاربة النفوذ العثماني حيث كأن لها دور مباشر في خدمة كل من اليهود والبريطانيين في هذا المجال، إن هذين النموذجان يوضحان موضوع مفاتحة شخص لغرض القيام بعمل معين عندما يكون عنده إستعداد للقيام بذلك.

2- عمل تطوعي:
    وفي المقابل أن الفعل قد يحصل نتيجة عمل تطوعي أي يقوم به الشخص من تلقاء نفسه ومن أمثلة ذلك قصة "لقيط بن يعمر الايادي" حيث كان كاتبا في بلاط كسرى وعندما علم بأن كسرى قد جهز جيش لمحاربة قومه أرسل لهم رسالة تحذرهم من نية كسرى على شكل قصيدة جاء فيها:
      يَا دَارَ عَمْرَةَ  مِنْ  مُحْتَلِّهَا  الْجَرَعَا          هَاجَتْ لِيَ الْهَمَّ وَالْأَحْزَأن وَالْوَجَعَا
بَلْ أَيُّهَا الرَّاكِبُ الْمُزْجِي عَلَى عَجَلٍ          نَحْوَ    الْجَزِيرَةِ    مُرْتَادًا    وَمُنْتَجِعَا
أَبْلِغْ   إِيَادًا   وَخَلِّلْ    فِي    سَرَاتِهُمُ         أني أَرَى الرَّأْيَ أن لَمْ أُعْصَ قَدْ نَصَعَا
يَا لَهْفَ  نَفْسِيَ  أن  كَأنتْ  أُمُورُكُمُ         شَتَّى  وَأُحْكِمَ  أَمْرُ  النَّاسِ   فَاجْتَمَعَا
أَلاَ   تَخَافُونَ   قَوْمًا   لاَ   أَبَا    لَكُمُ         أَمْسَوْا  إِلَيْكُمْ  كَأَمْثَالِ  الدَّبَا   سُرُعَا
أَبْنَاءُ   قَوْمٍ   تَأووْكُمْ    عَلَى    حَنَقٍ         لاَ   يَشْعُرُونَ   أَضَرَّ   اللَّهُ   أَمْ   نَفَعَا
أَحْرَارُ   فَارِسَ   أَبْنَاءُ   الْمُلُوكِ   لَهُمْ                           مِنَ الْجُمُوعِ  جُمُوعٌ  تَزْدَهِي  الْقَلَعَا

         وفي قصة أخرى تبرع "حاطب ابن بلتعة" وهو ممن شهد معركة بدر وكان من المهاجرين في أن يرسل رسالة الى أهله في قريش يخبرهم بنية المسلمين التوجه لغرض فتح مكة، حيث كان يخشى عليهم الضرر أثناء ذلك.

          إن هؤلاء لم يكونوا مجندين لاي جهة أنما دفعتهم بعض الإعتبارات أن يتبرعوا أو يبادروا بأن يقوموا بما يرون أنه واجب عليهم عندما شعروا بأن هناك خطرا حقيقيا يتهدد قومهم على الرغم مما حصل بعد ذلك إذ دفع ليقط حياته ثمنا لهذا الموقف وأما حاطب فقد نزل فيه قوله تعالى في الآية (1) سورة الممتحنة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أولِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ أن كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأنا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)).

            وفي محاولة جون ملك إنكلترا شقيق ريتشارد قلب الأسد في التقرب من السلطان محمد الناصر ملك المغرب وأفريقيا والأندلس عبر رسالة أرسلها اليه بيد ثلاثة إلا محاولة أخرى لغرض التخلص من سطوة النبلاء والكنيسة وكأنت نهايتها إتهامه بالهرطقة ومن ثم دفع حياته ثمنا لهذا التصرف الذي رأى فيه مصلحه له ولقومه.

         وللمشككين عزاء في قصة "ادولف هس" أحد اقطاب النازية في المانيا في الحرب العالمية الثانية والذي توجه سرا الى إسكتلندا بطائرة لغرض عرض السلام فكانت النتيجة القاء القبض عليه ومحاكمته بالسجن مدى الحياة ضمن محاكمة نورم بيرغ لمجرمي الحرب العالمية الثانية.

        ولعل العبارة التي ينتهي بها فلم بئر الخيانة تستوجب من الكثيرين وقفة تأمل حقيقية حيث تختصر تلك العبارة الكثير من الوقائع والحقائق "عاش خائن ومات كافر"، وللتجنيد قصة لا يعرف بعضها إلا الذين عاشوا تلك التجربة الممزوجة بالعسل الذي يغلف تحته مرارة الشك والخيانة ومن جانب أخر خدمة البلاد والتي لولا ما يقدمه البعض لما إستمرت على الحال الذي هي عليه ولعل من المنطقي الإشارة الى جهود أولئك الرجال الذين تحملوا مشاق ومخاطر كثيرة ليؤدوا ما عليهم من واجبات، وهناك نماذج مهمة لعملية التجنيد مثل عملية أو حادثة "موردخاي فعنونو" الذي تم توجيه الإتهام اليه لتسريبه أسرار تخص الصناعة النووية الإسرائيلية لحساب دولة أخرى والذي تم إستدراجه الى إيطاليا عبر المدعوة " شيريل بينتوف" ومن ثم نقله عبر إحدى السفن الى إسرائيل،  وكذلك موضوع " كيم فيلبي " أحد عناصر أعمال خدمة الأمن في المملكة المتحدة واحد عملاء "كي جي بي".
     ولما كان من التعاريف الكثيرة الإستعمال لتوضيح مفهوم التجنيد التعاريف السابقة أو التعريف الأكثر إستخداما للتجنيد هو أنه: محصلة التأثير المادي والمعنوي على شخص معين بغية إقناعه للعمل لحساب الجهاز الأمني، وكأن هذا التعريف في الستينيات والسبعينيات يلقى رواجا حين كأن تأثير العامل العقائدي موجودا ويلقي بضلاله على غالبية عمليات التجنيد حين كان للمبادئ والقيم وللوطن حظوة عند الكثيرين، لهذا نجد أن عملية تعريف التجنيد ليست بالضرورة أن تشابه عملية توصيفه والحديث عن التوصيف هو أكثر واقعية من عملية التعريف لأنها تستوعب مختلف المشارب والإتجاهات.

        ولعب موضوع عدم العدالة الإجتماعية بروز العديد من أشكال التجنيد بسبب الفقر وضعف الإنتماء للوطن وعدم توزيع الموارد على المواطنين بشكل عادل ومنصف ورغبة الكثير من الناس ترك بلدانهم والذهاب الى بلدان أخرى تحت ضغط صعوبة العيش وعدم قيام المؤسسات الحكومية بواجباتها تجاه المواطنين وتخلف الواقع الصحي والتعليمي وإستفحال ظواهر متعددة مثل الإرهاب والفساد وإنتشار الجريمة وعدم السيطرة على السلاح وإنتشار تعاطي المخدرات والإستغلال لموارد الدولة والمحسوبية والمنسوبية بالإضافة الى عدم الإستقرار السياسي في كثير من الدول أو عدم إهتمامها بالنواحي الأمنية وتفضيل المصالح الشخصية على المصالح العليا أو ضعف الوازع الديني أو الوطني كلها ألقت بضلالها على موضوعة تعريف أو تعريف أو توصيف عملية التجنيد.

       إن مسألة الإقتناع في الوقت الحاضر ليست العامل الوحيد لقبول العمل مع الجهات الأمنية حيث تغيرت القناعات بما يتناسب مع الواقع وتسابق الناس للظفر بالمال بأية وسيلة كانت أو الحصول على الإمتيازات والتغاضي عن الأعمال المخالفة للقانون وللآداب العامة حتى لو كان ثمن ذلك الخيانة إلا ما كأن من الخدمات التي يقوم بها بعض الناس لخدمة بلدانهم مقابل مبالغ مالية أو منافع خاصة، وهي أعمال محل تقدير وعرفان وتستحق التكريم والإشادة ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن بعض المجندين دفعوا حياتهم ثمنا بسبب تعاونهم مع الأجهزة الأمنية والبعض الأخر تمت تصفيتهم مجرد الشك بهم والأنكى من ذلك أن من تولى ذلك هم أفراد العصابات والجماعات المسلحة التي طالت سهامها حتى بعض العاملين في الأجهزة الأمنية بوشاية بعض الحاقدين وحتى الأقارب أيضا.
       إن العمل أو الفعل التصادفي ليس له حظ إلا بنسب قليلة جدا وأن التجنيد في الوقت الحاضر هو تلك الخطة الموضوعة للتأثير على شخص معين بقصد إقناعه أو توريطه أو قبول تطوعه للعمل لصالح الجهاز الأمني وتوجيه للقيام بعمل أو نشاط معين.

       ولقد كانت نهاية حياة بعض المجندين سببا لحصول مشاكل بين الدول مثل حادثة مقتل الروسي "إلكسندر ليتفينينكو" والذي قتل نتيجة تناوله مادة سامة في لندن عام/2006م وتبادلت كل من روسيا والمملكة المتحدة بكونه يعمل جاسوسا لحسابها الإتهامات والتصريحات والمواقف المتشنجة، مع العلم أنه كان سابقا يعمل في "كي جي بي" ثم أنتقل للعمل مع " أف أس بي " بعد تفكك الإتحاد السوفيتي ثم حصل خلاف بينه وبين الرئيس الروسي بوتين غادر بعدها الى المملكة المتحدة.

ملاحظات مهمة:
1- ينصرف موضوع التجنيد أيضا الى العمليات المتعلقة بإقناع أو توريط أفراد للعمل مع العصابات أو التنظيمات المسلحة أو المنافسة بين الشركات.
2- توصيف عملية التجنيد يشمل كل عملية تهدف الى إستمالة أي شخص للعمل مع جهة معينة. 3- تعريف التجنيد يختص بأعمال خدمة الأمن.
4- توصيف من يعمل لحساب البلد بأنه جاسوس، مؤتمن، متعاون، وكيل، عين، وتوصيف من يعمل بالضد من البلد بأنه عميل وتوصيف من يعمل لجهتين بأنه وكيل أو عميل مزدوج.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق