التجنيد
Recruitment
الدكتور
مظهر الشاكر
المحاضرة الثانية
فلسفة التجنيد
لكل عمل طبيعة معينة تميزه وفلسفة خاصة تقف ورائه وتعتبر عنوانا دالا عليه
ويمكن من خلال فعل معين إثبات كونه موجودا ومؤثرا، فالبعض يجد في عملية القبول
بالتجنيد خدمة وواجب يؤديه والأخر يعتبرها خيانة والبعض الأخر يجدها متعة
ومغامرة.. على أن الفكرة الأساسية له هي البحث عن الحقيقة وتسخيرها لغرض معين وفي
أعمال خدمة الأمن التي تعني الحفاظ على مصالح البلد وحمايتها.
جاء في قصيدة الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب " غريب على الخليج
":
إني
لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون.
أيخون إنسان
بلاده ؟
إن
خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون.
تكمن الفكرة العامة لفلسفة
التجنيد في كيفية تسخير إمكانيات أفراد معينين وتوظيفها في مجال أعمال خدمة الأمن
وعملية الفهم الحقيقي للفلسفة التي بني عليها موضوع التجنيد تبرز أهميته وضرورة التقيد
بضوابط معينة من أجل إعماله على أتم وجه ومن ثم تطويره إستنادا الى متطلبات خدمة
الأمن من خلال النجاحات التي تحققها عملية التجنيد، والأساس فيها هي تلك التصورات
والقناعات التي تحصل لدى القائمين بعملية التجنيد والفوائد التي يمكن التحصل عليها
من تلك العملية بما يفتح من أفاق معرفية وإجراءات حمايوية أو تعرضية.
إن متطلبات ومعاضل الأمن هي
من تدفع بإتجاه تبني خيار تعدد مصادر المعلومات لأن موضوع الحصول على المعلومات أو
القيام بأنشطة أخرى مثل التخريب والهدم هي أحد المشاكل الحقيقية التي تعاني منها
الأجهزة الأمنية بمختلف أنواعها.
عام/1985م
كنت أستمع الى محاضرة عن أهمية التجنيد وكان المحاضر يطلب من الجميع مسايرته في
الكتابة حيث يتكلم بسرعة والمستمعون يكتبون فإنتبه المحاضر بأني لا أكتب فإستفهم
مني قائلا: أنت لا تستطيع مجاراتي هل أتكلم بسرعة هل إستوعبت المحاضرة؟ إستحيت أن
أقول له نعم وأنما حركت رأسي... إستمر وبعد أن أنهى محاضرة حوالي ساعة ونصف قال:
إمتحان(كوز)..س: ما هو مفهوم التجنيد ؟ الإجابة خلال خمسة دقائق...
وبعد أنتهاء الامتحان وتسليم الأوراق بدأ
المحاضر يتصفح الإجابة ثم رفع رأسه وقال: من فلان؟ رفعت يدي: أنت: قلت نعم: ثم
توجه نحو المستمعون... أتدرون ما كتب صاحبكم؟.. لقد كتب عشرة كلمات إختصر فيها
محاضرة ساعة ونصف: لقد كتب:
التجنيد: خطة- مال - ضغط - إقناع- إحتضان
متطوع- وطن يخان أو يصان...
ضحك جميع
من في القاعدة وأكلتني نظراتهم ثم أردف المحاضر قائلا: الحمد لله.. إذ إستطعت خلال
ساعة ونصف من أن أوصل هذه الفكرة والتي هي جوهر المحاضرة....ثم نهض وتقدم صوبي
رأيته يمد الي يده ليصافحني نهضت مددت اليه يدي سلمت عليه..شكرني وأنصرف وقال:
للمستمعين خذوا أوراقكم لقد تركتها على المنضدة.. رأينا الأوراق لم يعلق على أي
منها وأنما كتب على ورقتي..نعم، تحتها ثلاثة خطوط.
بقت هذه الورقة عندي فترة
طويلة وحرقتها حين دخلت القوات الامريكية بغداد عام/2003م كنت أخرجها كل فترة أقرئها
وأقول مع نفسي إذا كنت أنا إختصرت مفهوم التجنيد بعشرة كلمات فلقد إختصر هذا
المحاضر جهد السنين بهذه الكلمة..
أخبرني أحد
الاصدقاء أنه قام بتجنيد شخص معين لغرض القيام بعمل ما فما كان من الشخص المجند ألا
أن طلب إجازة حسب قوله ثم ذهب وإنقطعت أخباره وعاد بعد حوالي شهر وعندما عاد سائله
صديقي عن غيابه طيلة هذه المدة فأخبره أنه كأن يستعد حيث قضى هذا الوقت في الأسواق
لشراء معاطف وقبعات مع تغير في طريقة قص شعره، فما كان من صديقي إلا أن يخبره بعدم
الحاجة لخدماته، سألته لماذا قال لا أدري ولكن تمشي الأمور هكذا، ثم بعد حوالي عشر
سنين تذاكرت معه حول الموضوع، فتذكره وقال لي كان يريد أن يصبح شارلك هولمز ولم اك
مستعدا وقتها لإدارة شخص مثله، ولا يخفى على أحد أن عمليات الأمن تبنى على الشك ولهذا
تطلب الأمر الحذر عن التعامل مع موضوع حساس مثل موضوع التجنيد، أما عن أهم مرتكزات
فلسفة التجنيد فهي:
1- التصرف العقلاني المستند على منطق واضح
ومفهوم.
2- معرفة بعلم الأنثروبولوجيا المتعلق بكل ما
يتعلق بالجنس البشري وما يتميز به الأنسان وطبيتعه المختلفة عن سائر الخلوقات
الأخرى، ومنها معرفة تفصيلية بخصائص أعراق معينة في الجنس البشري تسهل للقائم
بعملية التجنيد دراسة أو معرفة الصفات العامة للشخصية المراد تجنيدها وإرتباطاتها
العرقية والدينية وأماكن تواجدها، فعملية تجنيد إبن البادية ليست مثل عملية تجنيد
إبن المدينة والساكن في الجنوب ليس مثل الساكن في الشمال وإبن الشرق لا يشبه إبن
الغرب.
3- وجود الأخلاقيات في العمل الأمني ينعكس
بشكل جلي على عملية التجنيد بسبب وجود المغريات مثل النساء والمال والشهرة والسلطة.
4- أن تكون عملية التجنيد نتاج عمل أو عقلية
ذات نهج ثقافي أو سياسي أو إجتماعي معين لهذا لا تتشابه عمليات التجنيد في دول
العالم بسبب الإختلافات في طبيعة الأنظمة الحاكمة والفاعلة أو المسيرة لأعمال خدمة
الأمن في تلك الدول.
5- كيفية التصرف في الوسائل المتاحة أو
الموارد المالية والبشرية المتاحة فنجد بعض أجهزة الأمن تعتمد على الكادر النسوي
وفي دول أخرى لا تتوفر مثل هذه الفرص أو الإمكانية فيها حتى أنه لا يوجد من ضمن
منتسبيها عناصر نسائية.
6- الفكرة التي يبنى عليها مفهوم الأمن من
كونه يمثل أحد فروع العلوم الإجتماعية والتي لها علاقة مباشرة بحياة الناس ومن
كونه أحد متطلبات التنمية.
7- الحاجة الى وجود المؤسسات والوسائل
المتعلقة بعملية التأهيل والتدريب.
8- عدم أغفال الجوانب الروحية وخاصة عن
المجتمع الشرقي.
9- أن تتوافق متطلبات إدارة المتعاونين مع
مقتضيات الحكمة.
10- عدم إغفال النواحي الجمالية من خلال:
أ-
حسن المنظر والملبس والأناقة والذوق الرفيع من قبل ضباط المتابعة.
ب-
حسن إختيار الكلمات أثناء الحديث مع المتعاون.
ج-
الإبتعاد عن المزاح الثقيل أو التجهم في وجه المتعاون.
د-
إختيار الهدايا القيمة أو المحببة على نفس المتعاون.
هـ- وسائل تدريب مسلية وممتعة وعملية ومفيدة.
و-
رفق ولين عند حصول الخطأ.
ز-
معرفة بأنواع الفنون والآداب ومجاراة المتعاون فيما يحب من شعر وموسيقى وغناء أو
هويات وتشجيعه على ذلك وتقديم كل أشكال الدعم المالي والفني من أجل عمل مشاريع
فنية تعود بالفائدة المالية والمعنوية للمجند.
ح-
التركيز على جماليات الطبيعة لهذا إحرص على أن يتمتع المتعاون وهو معك بما في
الطبيعة من نواحي جمالية من خلال أماكن اللقاء أو التدريب.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق